أسماء الفار - تميزت في الماجستير ووصلت إلى الدكتوراه
2021-09-27
مضت أربعة أعوام سريعا على رزمانة الزمن لم تبقى فيها السفينة في المرسى بأمان، لم تصنع تلك السفينة إلا لركوب الأمواج و"كبد الحياة" الذي خلق فيه الانسان لتعلمه فطرته الأولى التي تتشكل مع الغربة وماتفرضها من وحدة وتجارب وتحديات لايتنافى فيها الإيمان بالقدر مع "تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسفن ".
لطالما آمنت أن غربة الروح أقسى من غربة الجسد ولربما يكون الانسان غريباً في وطنه هائما على وجه الخليقة يؤمن بأحلامه أكثر من إيمانه بواقعه في وطنه وبين جدران المخيم، يبحث عن نفسه التي مارست الارتحال لتحلق بحرية في عالم موازي مع القراءة والتأمل والسياحة الافتراضية حيث لاحدود تنفي الروح كما نفت الحدود السياسية ذلك الجسد الذي قدر له أن يوجد في حقبة زمكانية لعينة "قطاع غزة تحت الحصار".
تأتي إجابة "ماذا تريد " كخطوة أولى للتخطيط في بناء المستقبل ويأتي معها " الإيمان ب لا" في كل خطوة من خطواتك تجاه نفسك وأهدافها في ذلك الواقع البرزخيّ لقطاع غزة التي تقع فيه شبه الحياة تلك في المصيدة التي قال عنها حسين البرغوثي في الضوء الأزرق "غريبٌ كم تبدو الحياة كمصيدة أحيانا وكم تبدو المصيدة كمتاهة أحيانا"... في رؤية يتكامل فيها قول جبران "لاتعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل" مع "من يتجرأ أن يقول لا هو من يصنع التاريخ" الشهيرة لـ لينكولن وشعار جامعة شيفيلد العريقة لمنحتها الوحيدة المقدمة لطالب من فلسطين فقط لكل عام "غيِّر العالم" كان "لدي حلم" لوثريّ للتغيير!
اخترت "السياسة والعلاقات الدولية" إيماناً لحاجة شعبي للمدافعين عن قضيته على كافة الأصعدة من الجنسيين ووفاءً لروح أخي ياسر التي استشهدت مع الياسمين في ركب الأيائل في موكب الأعياد . كان الخروج من سجن غزة الكبير لبوابة الحياة الواسعة التي يدق فيها "حي على العمل" في كل حين مفاجئاً وصادماً يتخلله الكثير من المشاعر والأفكار التي لايتسع الوقت لنسجها هنا ... طرتُ إلى شيفيلد الخضراء التي لايشبه هواءها أو حتى مائها أي مكان سكنته في أعوامي الأربعة ... وبعدما حصلت على بعثة شيفيلد الوحيدة للماجستير(2018-2019) كانت شيفيلد سخية جداً ورحبت فيّ أيما ترحيب استحقاقا لكل جهد بذلته فيها، حيث تم تعييني كسفيرة فلسطين في اتحاد الطلبة الخاص بها في بداية عامي الدراسي هناك (2018) وتم اختياري لبعثة الجامعة المخصصة لثلاثة طلاب فقط بواقع طالب لكل كلية من ثلاث كليات فيها: بعثة "دراسة أزمة اللاجئيين في أوروربا " والتي أجريت في سولونيك، اليونان. تعرفت في اليونان إلى الكثير من الأشخاص، زرت المعابد، المسارح، والمؤسسات الاجتماعية لأعود لإكمال بحث الماجستير في فترة قصيرة لا تتعدى الشهر! وانتهت رحلة دراستي في شيفيلد بمفاجأة الجامعة لي لاختياري لجائزتها المقدمة لطالب واحد فيها(Liam Holden Memorial) لكل عام. حصلت على هذه الجائزة يوم تخرجي.
تنقلت بعدها للعيش في مدن عدة وعملت فيها مع الصليب الأحمر البريطاني اكتسبت فيها خبرة عن حياة الفقراء في بلاد الأغنياء ورأيت فيها الجانب الذي لم يساعدني عامي الأول على فهمه بشكل متكامل! قضيت نصف السنة تلك في التحضير و التنافس على بعثة دكتوراة مخصصة فقط للطلاب البريطانيين بواقع بعثة أيضا يمنحها معهد أبحاث الدكتوراة في ويلز “WISRED” وقدر الله الكريم أن أحصل عليها استحقاقاً وعدلاً متجاوزين لشرط المعهد بخصوص الجنسية، لأبدأ سنتي الأولى في الدكتوراة (2020) في كلية الفلسفة والتاريخ والسياسة في جامعة بانجور _ ويلز . وأنهي عامي الأول بإنهاء المسودة الأولى لجزء جيد من بحثي الذي يطالب بأحقية المقدمين لطلب اللجوء من أصل فلسطيني هنا على الاقامة على غرار وعد بلفور و يقارن وضع اللاجئيين الفلسطينين المزدوجيين في بريطانيا بتجربة لجوؤهم الأول. لأبدأ عامي الثاني في الدكتوراة لهذا العام كطالبة ومحاضرة (تحت الاشراف) مع مشرفي في بانجور تزامناً مع عامي الرابع في بريطانيا بكل الأمل والعمل والإرادة العاقلة للتغيير وتوكلاً على الله وأخذاً بالأسباب !
لا يُسمى الموج موجاً عاتياً إلا من تلك الرياح الكبيرة التي تضربه ولايسمى راكب الموج راكباً إلا حينما يغامر بامتطاء الأمواج العالية وهو يعلم كيف يميل وكيف يركب الموج متوازناً على لوح الحياة أسفله ويعلم راكب الموج كيف يعود ألف مرة كطائر الفينيق على اللوح متمسكاً بالحياة ومتعلماً أن لذة ركوب الموج كل مرة يفوق ألم وقوعه عن اللوح ... كما في الغربة تلك ضريبة دائماً يدفعها الانسان في استمراية التعلم والعمل والبعد عن الأهل "الوطن الحيّ النابض الذي لاتتجاوزه كمغترب في كل لحظة" ولكن الأهم دائماً أن تيقن عين اليقين أنه "محرم عليك أن تتوقف وأن تقف بكل ماأوتيت من عزم".
كتبت هذا النص مُشاركِة بعض مقتطفات من حياتي في الغربة عسى أن يكون فيها إلهاماً لبعض الشباب الطموح في غزة، ونزولاً عند رغبة م.أشرف حمد شاكرة إياه في الكتابة عنه.