عزة أبو منديل ... من فلسطين إلى بريطانيا ... قصة نجاح
2021-09-14
بدأت قصة نجاحي عند حصولي على منحة Access لدراسة اللغة الإنجليزية الممولة من القنصلية الأمريكية في القدس، كانت هذه المنحة نقطة تحول لي حيث ساعدتني على إتقان اللغة الإنجليزية وساعدتني في زيادة الثقة بنفسي، وكوني من عائلة فلسطينية لاجئة كنت أدرك أن مصاريف الدراسة الجامعية ليست سهلة وخاصة أنه كان لدي أخوين أكبر مني يدرسان بالجامعة، فحرصت خلال دراستي الثانوية أن أحصل على منحة تساعدني في تغطية مصاريف الرسوم الجامعية، اجتهدت ونجحت في الحصول على المركز الأول على الوطن بشقيه الضفة وغزة في فرع العلوم الإنسانية بمعدل 99.5%، وحصلت على منحة الرئيس لدراسة بكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة الأزهر بغزة، خلال دراستي الجامعية حرصت على أن أستمر بتميزي الأكاديمي فتخرجت بترتيب الأولى على جميع كليات الجامعة للعام الدراسي 2017-2018 بمعدل 96.5%.
بعدها بدأت أتطلع لإكمال دراساتي العليا في المملكة المتحدة، بدأت بالبحث والقراءة عن المنح، وقتها أدركت أن التميز الأكاديمي مهم لكن عليّ أن أستكشف مهاراتي وقدراتي من خلال العمل، بدأت العمل مع مؤسسة Quakers Service Norway كمترجمة فورية للمديرة التنفيذية للمؤسسة، وبعدها تم اختياري للعمل كمعيدة بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر، وكانت هذه التجربة الأهم في حياتي حيث قمت بتدريس ما يزيد عن ثلاثة آلاف طالب بمختلف كليات الجامعة ونجحت في توعيتهم عن أهمية العمل التطوعي والتفكير بالمسار الوظيفي الذي سيسلكونه بعد التخرج.
قمت بتدريس مواد الترجمة والكتابة الأكاديمية المتقدمة لطلاب قسم اللغة الإنجليزية والذي أعتبره نجاحاً لي لأني حرصت على تدريس طلابي ما وجدته مطلوباً في سوق العمل، ولكنه غير متوفر في المقررات الجامعية التي درسناها. خلال عملي بالجامعة التحقت بجامعة القدس المفتوحة لدراسة دبلوم عالي بالتربية ونجحت باجتيازه بامتياز.
بعدها نجحت بالحصول على وظيفة للعمل بمعهدOxford لتدريس اللغة الإنجليزية في غزة، ولقد وفّر لي مساحة كبيرة للتعامل مع طلاب من تخصصات وتوجهات مختلفة، ووفّر لي مساحة أيضاً لمساعدتهم في تحقيق أهدافهم بما يتعلق بإتقان اللغة الإنجليزية. خلال عملي في الجامعة ومعهد Oxford كنت معلمة شغوفة أؤمن برسالة المعلم التي تتعدى حدود المعلومة. كنت أؤمن بأن أكون شخصاً حالماً وملهماً لمن هم حولي وفي نفس الوقت كنت أستمد الإلهام من الناجحين ومن طلابي.
كانت تلك الفترة صعبة جداً خاصة أني كنت أعمل بنظام part-time في الجامعة وفي معهد Oxford وفي ذات الوقت كنت أدرس لدبلوم التربية، وكان التحدي الأكبر هو التقدم لامتحان الآيلتس في تلك الفترة الصعبة إضافة للتقديم على منحة HESPAL وهي منحة من المركز الثقافي البريطاني لتمويل الأكاديميين من فلسطين للدراسة بالمملكة المتحدة. نجحت في الحصول على خمس قبولات من خمس جامعات في بريطانيا وكانت هي المنحة الوحيدة التي تقدمت لها ولعل هذا كان خطأً كبيراً بأني لم أطرق أبواباً مختلفة. لسبب ما تقرر توقف المنحة لذلك العام بسبب نقص في التمويل. وقتها شعرت وكأن كل أحلامي تحطمت، وكان التحدي الأكبر في حياتي لأبدأ من جديد، لكن بإيمان من هم حولي بي قررت أن أبدأ التقديم من جديد في العام التالي.
تقدمت بطلب لمنحة سعيد ومنحة تشيفننغ والمنحة الإيرلندية وانتزعت القبول النهائي من المنح الثلاثة، لا أخفيكم أن عملية التقديم كانت صعبة ومليئة بالقلق والتوتر ولكن الرحلة كانت تستحق كل ومضة أدرينالين وكل ذرة تعب، حاولت أن أرسم خطة موحدة لكل الطلبات في المنح الثلاثة، حاولت أن أنظر لرحلتي الأكاديمية والمهنية واخترت التخصص المناسب والأقرب لخبرتي وخططي المستقبلية ووقع اختياري على تخصص سياسات التعليم والتنمية الدولية، حاولت أن أركز على قضية موحدة في كل المقالات التي كتبتها، بعدها تأهلت للمقابلات وكنت حريصة على التحضير الجيد من خلال إجراء mock interviews وقراءة المقالات أكثر من مرة والتوسع فيما كتبت، في شهر مارس حصلت على القبول النهائي للمنحة الإيرلندية وفي شهر يونيو حصلت على قبول منحة سعيد وقبول منحة تشيفننغ، وقررت أن أختار المملكة المتحدة على إيرلندا وحصلت على منحة مشتركة من مؤسسة سعيد للتنمية ومنحة تشيفننغ، ولعل حصولي على منحة سعيد للتنمية كان حلماً صعب المنال خاصة أن المنحة تنافسية جداً وتختار الأشخاص الأكثر تميزاً.
المنحة المشتركة بين سعيد وتشيفننغ أضافت لي من ناحية أن المنحتين من أكثر المنح تنافسية في العالم وأكثرها رقياً، فبمجرد ما كنت أعرف عن نفسي أني حاصلة على منحة مشتركة من تشيفننغ وسعيد كان زملائي يبدون إعجابهم ويشيدون بقيمة هذه الميزة في CV وللتقدم لمنح دكتوراة أو فرص عمل بحثي في المستقبل ، والميزة الأخرى هو أني نجحت بالتعرف على scholars من المنحتين وهذا طور مهارات networking لدي، وتعرفت على شبكة أوسع من الطلاب من مختلف أنحاء العالم.
التحقت بجامعة Sussex لدراسة الماجستير بسياسات التعليم والتنمية الدولية، وتصنف جامعة Sussex بأنها الأولى على العالم بتخصصات التنمية الدولية. كان النظام التعليمي مختلفاً جداً عن غزة وبالتأكيد جودة التعليم تختلف. حاولت الاجتهاد خلال Seminars لتسليط الضوء على قضايا التعليم بالشرق الأوسط وخاصة فلسطين، وخلال دراستي أيضاً قمت بالتركيز على قضايا اللاجئين والصعوبات التي يواجهونها للوصول إلى التعليم، وشاركت في عدد من Webinars كمتحدثة أساسية للحديث عن تجربتي كلاجئة فلسطينية من غزة نجحت بالوصول إلى جامعة Sussex.
كنت أعلم أن دراسة هذا التخصص في جامعة مميزة كهذه الجامعة سيكون تحدياً كبيراً خاصة أنها تجربتي الأولى للدراسة خارج فلسطين، لكن دراسة التخصص أضافت لي الكثير الكثير مع أنه كان صعباً جداً. كان الأساتذة متطلبين جداً أتذكر أن في مساق من المساقات كان علينا أن نقوم بعرض تقديمي لجزء من القراءات الأسبوعية التي نقوم بها في كل محاضرة. كنا نقوم بكمية هائلة من القراءات الإلزامية أسبوعياً وكنا نعمل في نظام مجموعات وعلينا اللقاء مسبقاً للتحضير ومناقشة مجموعة من الأسئلة، ولعل الجزء الأجمل كان أننا درسنا الفصل الأول in-person وكنا نقوم بعمل مناقشات حية داخل غرفة الصف بحضور البروفيسور لقد كانت تجربة رائعة، وبعد التسهيلات التي أصدرتها الحكومة البريطانية كنا نقوم برحلات تنزه مع طاقم العمل في الكلية مرة شهرياً.
أما تقييمي لمدينة برايتون فهي مدينة جميلة جداً وسياحية ولعلها ما تزال مدينتي المفضلة مع أني زرت الكثير من المدن الأخرى. الجزء الأجمل في برايتون هو البحر الذي يذكرني ببحر غزة دوماً وفيها الكثير من الأماكن الطبيعية الساحرة. المدينة صغيرة وهادئة ومن السهل التجول فيها، لكن أعتقد أن مدينة برايتون ليست مدينة cosmopolitan وغير متنوعة ثقافياً مثل باقي مدن بريطانيا.
حياتي كطالبة في بريطانيا لم تكن مقتصرة على التركيز على الجانب الأكاديمي وحسب؛ بل حرصت أيضاً على تنمية الجانب الثقافي، كنت محظوظة أن كان هناك 36 طالب في الكورس الذي أدرس فيه، كانوا طلاب من شتى بقاع الأرض، استمتعت بالاستماع لتجاربهم النيرة التي فتحت عيوني على قضايا لم أسمع عنها من قبل وحرصت أيضاً على أن أجعلهم جميعاً يدركون ما في فلسطين وأين تقع على الخريطة وما الذي يحدث هناك في تلك البقعة كنت لا أترك فرصة إلا وأتحدث فيها عن فلسطين ونجحت في جعله حاضراً في مقرر التعليم واللاجئين حيث خصصت البروفيسورة محاضرة كاملة للحديث عن اللاجئين في فلسطين وشاركت فيها، جاء ذلك بعد أن تفاجأت بمقال قرأناه يقول أن قضية اللاجئين الفلسطينيين مر عليها أكثر من سبعين عاماً وقد انتهت.
تعرفت على طلاب من ثقافات مختلفة من خلال شبكة منحة تشيفننغ ومؤسسة سعيد، لعلها كانت فرصة لي لأتعلم تقبل ثقافات الآخرين بكل أشكالها، كان هذا صعباً علي في البداية كشخص يخوض تجربته الأولى في السفر، تعلمت أمور الإدارة المالية والاعتماد على نفسي في كل أمور حياتي. والجزء الأجمل هو أني تعلمت إدارة الوقت ما بين دراستي واستكشاف بريطانيا الجميلة من خلال زيارة مدن مختلفة واستكشاف أماكن طبيعية ساحرة.
اليوم أكتب تجربتي وأنا أدرك أن الشخص الذي أنا عليه اليوم شخص مختلف عن الشخص الذي كان في غزة قبل عام من الآن فأنا أرى في نفسي نسخة أفضل مما كنت عليه ليس لأني أنهيت درجة الماجستير، بل لأن ثقتي في نفسي زادت وأصبحت أكثر تقبلاً وانفتاحاً مع المحافظة على تعاليم الدين الإسلامي وثقافتي الفلسطينية.
كنت دوماً أؤمن ببيت الشعر القائل "ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب".
الحصول على منحة ليس أمراً صعباً ولا أمراً مستحيلاً لكنه يتطلب الكثير الكثير من الإيمان بالله والصبر والإصرار والعزيمة، ويتطلب تخطيطاً دقيقاً لعملية التقديم والمقابلات واختيار الجامعات، فأنا اليوم أكتب لكم قصتي هذه وأنا على مشارف إنهاء درجة الماجستير من بريطانيا من شاطئ مدينة برايتون الجميل لأقول لكم آمنوا بأحلامكم واسقوها بالأمل والإصرار لأن الأحلام تتحقق.