محمد الحوت - من غزة إلى كارديف، أخصائي بصريات طبية نسج قصة نجاحه رغم كل التحديات
2022-03-07
اسمي محمد الحوت، أخصائي بصريات تخرجت من الجامعة الإسلامية بغزة عام 2014. أحببت أن أشارككم رحلتي الطويلة نسبيا للدراسات العليا في المملكة المتحدة.
بداية الفكرة:
بدأت فكرة الحصول على درجة الماجستير تراودني قبل التخرج من الجامعة لعدة أسباب أهمها هي قلة الحاصلين على شهادات عليا في تخصص البصريات الطبية في فلسطين بشكل عام وفي غزة بشكل خاص. تخصص البصريات الطبية يعد من التخصصات الحديثة في الوطن العربي والذي يهدف بشكل عام على سرعة تشخيص الأمراض التي من الممكن أن تؤدي الى فقدان نعمة البصر. لكن حال الواقع لم يكن مثلما كنت أظن، لقد بقي مجال البصريات الطبية محصوراً في مجال إعداد وصفات النظارات والعدسات الطبية بعيداً عن الهدف الذي تم تأسيسه له وبذلك بقيت معاناة المرضى مستمرة في مواجهة بعض أمراض العيون الخطيرة. بدأت أنظر لمجال البصريات الطبية في البلدان الأخرى وأثرها الإيجابي على المجتمع في مواجهة مثل هذه الأمراض. كان للمملكة المتحدة الأثر الأكبر في نفسي حيث استطاعوا بناء منظومة صحية متكاملة في مجال طب العيون.
بناء الخطة:
بعد الحصول على درجة البكالوريوس كنت مثل باقي الشباب أضع درجة الماجستير في أعلى أولوياتي ولكن التكلفة العالية للدراسة في الخارج كانت عائق يحول من تحقيق هذا الحلم. فبدأت في الحصول على الخبرة الكافية التي تؤهلني الى دراسة الماجستير في الخارج، حيث أن العديد من المنح تشترط الحصول على سنتين من الخبرة في مجال دراسة البكالوريوس قبل البدء في الدراسات العليا. خلال هذه الفترة تطورت مهاراتي في التعامل مع المرضى بشكل لافت وبدأت أتفهم الأثر النفسي والفعلي التي تتركه أمراض العيون على حياة المرضى. بعد سنتين من العمل قررت التقدم للحصول على منحة تشيفننج (Chevening) المقدمة من حكومة المملكة المتحدة لاستكمال حلم الحصول على درجة الماجستير.
المحاولة الأولى:
في عام 2016 بدأت في أولى مراحل التقديم للمنحة. لم يكن لدي الخبرة الكافية في صياغة المحتوى وكتابة التقارير المطلوبة للمنحة وبالرغم من أن احتمالية الرفض كانت عالية، كنت راغب وبشدة في خوض التجربة. أتممت كتابة كافة المقالات المتعلقة بالمنحة ولكن أتى الرد المتوقع بالإعتذار عن قبول ملفي الخاص بالمنحة. هذا الرد وإن كان متوقعا كان له أثر كبير في حياتي والذي أشعرني بأني لست مؤهلا تاركاً بعض الإحساس بالضعف.
تطوير الذات:
بعد ثلاثة أعوام من العمل قررت إحياء حلم الماضي والاستفادة من الأخطاء المرتكبة في المحاولة الأولى. قررت تطوير نفسي واكتساب مهارات جديدة في تخصصي. لذلك قررت الالتحاق بدورة مكثفة في مجال مساعدة المرضى المصابين بضعف الإبصار في الأردن. كان لهذه الدورة مع قلة مدتها الأثر الكبير في حياتي العملية حيث تمكنت توسيع دائرة المساعدة التي يمكن لأخصائي البصريات تقديمها للمرضى في إطار عملي.
المحاولة الثانية:
في عام 2020 \ 2021 قمت ببناء خطة لكتابة المقالات المطلوبة للحصول على منحة تشيفننج. من أهم النصائح في هذه المرحلة هي تكوين رؤية متكاملة بين جميع المقالات. من أهم أهداف هذه الرؤيا هي إيصال فكرة للقارئ بإنجازات الماضي وطموح المستقبل. وبالمساعدة من خبرات المتقدمين السابقين للمنحة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أنسى بالطبع الأثر الطيب الذي تركه الأستاذ أشرف بخبرته ودعمه لي خلال هذه المرحلة حتى تمكنت من الوصول إلى هذه الرؤية.
المقابلة الشخصية:
بداية 2021 كانت تحمل معها واحدة من الأمنيات والتي كانت رسالة التأهل لمرحلة المقابلة الشخصية للمنحة. شعرت باستعادة الثقة التي فقدتها في المحاولة الأولى، بدأت الشعور بقرب الحلم القديم ذو 6 أعوام تقريبا أن يتحقق. بدأت رحلة الاستعداد للمقابلة الشخصية من المقاطع المنتشرة على منصات التواصل الإجتماعي. إخترت آخر ايام شعبان يوم المقابلة، قمت بعمل اكثر من مقابلة وهمية وبناء إجابات النموذجية نوعا ما للأسئلة التي تكررت فالأعوام السابقة. كان للأستاذ اشرف لمسة خاصة بنصائحه ودعمه خلال هذه المرحلة.
النهاية و البداية:
كانت النهاية لهذه الرحلة المتعبة والمرهقة طعماً خاصاً اذ واخيراً تحقق الحلم القديم، وتخطيت عوائق التكاليف الدراسية الباهظة. أتت رسالة التهنئة من الموقع الرسمي للمنحة بالقبول وتغطية كافة الرسوم الدراسية لدرجة الماجستير وفي إختياري الأول وهي جامعة Cardiff University . هذه الرسالة التي قد فتحت جزء جديد في حياتي وكتبت فيه بداية رحلة لطالما انتظرتها. هذه الرحلة التي ما زلت أخوض تجربتها حاليا لا تزال تبهرني يوما بعد يوم، شعوب ودول لم أكن أتوقع أن اجتمع بهم يوماً. من نيوزيلاندا الي الأرجنتين و زيمبابوي والهند واليمن والمغرب وعمان وجزر المالديف جميعهم في مكان واحد، هذه هي قوة منحة Chevening الحقيقة بالنسبة لي وهي التي طورت وما زالت في شخصيتي كل يوم.
نصيحتي:
- من المؤكد أنك قد سمعتها من قبل " لا تستسلم " ولكن وحدها لا تكفي، تطوير الذات والاستفادة من الأخطاء السابقة هو الحل للقبول لهذه المنحة.
- مراجعة المقالات أكثر من مرة قبل تسليمها والأهم مراجعتها قبل حضور المقابلة لأن أي تناقض أو عدم تطابق بينهم ممكن يكلفك المنحة.
- إصنع مقابلة وهمية مع نفسك وقم بتسجيلها، تخيل الأسئلة وقم ببناء الأجوبة بطريقة منطقية ونموذجية.
- عند القبول في المنحة كن جاهز نفسيا ومعنويا لحجم التغيير، المملكة المتحدة ليست فقط أجواء باردة ولكن شعوب مختلفة وثقافات عديدة.
النهاية:
أتمنى أني قد وفقت لتلخيص رحلتي في الحصول على منحة Chevening، وأن تكون هذه الأحرف سبب في مساعدتكم جميعا في الوصول الى ما تطمحون اليه.